أحمد أبوعمرو الغامدي / أستاذ علم النبات المشارك بجامعة حائل
الكونوكاربس Conocarpus من الأشجار التي تم استيرادها قبل عقود، طمعاً في زيادة الرقعة الخضراء وتزيين الشوارع والميادين والمتنزهات، ولها مسميات عديدة منها الكاربس والبزروميا والدماس والكرفس، ولها مميزات ومنافع بيئية وجمالية واقتصادية عديدة جداً منها: رخص ثمنها وسهولة إكثارها وسرعة نموها وخضرتها الدائمة وقابليتها للقص والتشكيل بأشكال متعددة، وخشبها قوي يمكن استخدامه كحطب وفي الصناعات الخشبية، ويمكن تغذية الماشية على أوراقها ونحل العسل على أزهارها، فضلاً عن تكيفها وتحملها للظروف البيئية القاسية، كدرجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة وأشعة الشمس الحارة وارتفاع ملوحة التربة والمياه، ولها المقدرة على النمو في أنواع عديدة من الترب، وتعتبر من المصائد الممتازة للأتربة والغبار والملوثات المنتشرة في الجو، وهي مأوى مناسب لكثير من الطيور والحيوانات، وتنتج الأوكسجين وتستهلك ثاني أكسيد الكربون وتزيد من نسبة الرطوبة وتلطف الأجواء الحارة، وهي مصد ممتاز للرياح والرمال وسياج مناسب للمزارع والطرق.
ولكنها شجرة شرهة محبة للماء ولها مجموع جذري يتكون من جذر وتدي رئيسي وجذور جانبية ليفية قادرة على تتبع الماء في أعماق الأرض، خصوصاً إذا لم يتم ريها بانتظام، ولذا فإن زراعتها بالقرب من جدران المنازل وفي الجزر الوسطية للشوارع، مع قلة الاعتناء بها، أظهر الوجه القبيح لها من حيث وصولها لشبكات المياه والصرف الصحي والخزانات الأرضية والنمو بداخلها بشكل عشوائي وكثيف، مسببة انسدادها وتشققها وتكسرها، إضافة إلى تسببها في تحريك واقتلاع بلاط أرصفة الشوارع والمنازل، ولذا اتضح بجلاء للمختصين وللعامة خطر زراعتها قريباً من المنازل والمناطق السكنية وشبكات المياه والصرف الصحي وأرصفة الشوارع والتمديدات الأرضية الخاصة بالكهرباء والاتصالات، وتولدت لدى الكثيرين القناعة بضرورة إزالتها واستبدالها بأنواع شجرية أخرى تمتلك نفس ميزات الكونوكاربس الإيجابية ولكن قليلة الأضرار الجانبية، ومنها السدر البلدي والأثل والنيم الهندي.
وأما المشاكل الصحية لهذه الشجرة فإنها تظهر في حال وجودها مزروعة بكثافة بالقرب من المنازل والاستراحات، وخصوصاً في حالة عدم العناية بها، وبالتالي فإن أغصانها تتشابك، وأوراقها وأزهارها وثمارها تتساقط بكثافة محملة بالأتربة والغبار والملوثات والحشرات وحبوب اللقاح مما قد يثير حساسية الصدر والشعور بالضيق لدى بعض الناس، وأما ما يدعيه البعض بأنها تثير الخلايا السرطانية فهذا أمر غير ثابت علمياً، بل على العكس من ذلك تماماً فهناك من يستخدمها في الطب الشعبي لعلاج العديد من الأمراض، واستخلص من أوراقها وثمارها أخيرا العديد من المركبات القلوانية ومضادات الأكسدة، وهذه المركبات يمكن استخدامها معملياً في تثبيط نمو الميكروبات وعلاج بعض الأعراض المرضية ومنها مكافحة النشاط السرطاني للخلايا!
وخلاصة القول فإننا نأمل من الجهات الحكومية ذات العلاقة أن تتوقف تماماً عن زراعة أشجار الكونوكاربس داخل النطاق الحضري، وأن تكتفي بزراعتها كسياجات خارج المدن وكمصدات للرياح ولإيقاف زحف الرمال، ونظراً لأن هذه الشجرة من أبناء عمومة أشجار القرم والقندل التي تنمو على شواطئ البحار فإننا ننصح بتجربة زراعتها قريباً من السواحل طمعاً في زيادة الرقعة الخضراء والمناظر الجمالية ووقف تآكل التربة وتعريتها بسبب الأملاح والرياح.