أي تجمع سكاني يجب ربطه باقتصاد المجتمع، بحيث يشكل هذا التجمع رافدا له وليس عبئا عليه. كذلك أي دراسة متعلقة بالإسكان يجب ربطها بباقي المؤشرات الاقتصادية.
خلال فترة وجيزة سيتم توزيع أذونات البناء لبعض ضواحي مدينة المطلاع، ومنطقة جنوب عبدالله المبارك لعدد 12262 طلبا إسكانيا، والمؤسسة العامة للرعاية السكنية تمضي في خطتها لتوزيع القسائم لمستحقي الرعاية السكنية من المواطنين، ما يعني وجود حركة بناء كبيرة في هذه السنة والسنوات القادمة.
ومع الفرحة الكبيرة بإسعاد آلاف الأسر الكويتية التي انتظرت طويلا لتحصل على مسكن خاص، ينتابنا القلق من عدم الاستفادة الاقتصادية من حركة البناء القادمة، حيث إن الكويت مقبلة على بناء منطقة حضرية جديدة أكبر من تلك الموجودة حاليا! ولكن السؤال: هل تم الاستعداد اللوجيستي لمرحلة البناء هذه؟ وهل يتوفر في سوق العمل لقطاع الانشاءات عمالة ماهرة ومقاولي بناء ومهندسين بكافة تخصصاتهم بعدد يغطي الطلب عليهم؟
في احد التقارير السابقة المقدمة لوزارة التخطيط طالبت بتنظيم سوق العمل وبتصنيف العمالة كل حسب مهارته ومؤهلاته العلمية وخبرته، حيث إن تنظيم سوق العمل أحد مداخل تعديل التركيبة السكانية من خلال توضيح الرؤية لمتخذي القرار والتي بدورها تساهم في تخفيف الضغوط المالية على الحكومة والدولة ككل.
سوق الكويت جاذب للعمل ومن كل دول العالم، وبإمكان قطاع العمل في وزارة الشؤون أن يحدد بالضبط عدد العمالة المطلوبة ومؤهلاتها، ويتم إعطاء سمات الدخول (فيزا عمل) لهم طبقا لذلك، وهذا بدوره يتوافق مع التوجه لإلغاء نظام الكفيل المعمول به.
ويحتم تنظيم سوق العمل إيجاد توصيف دقيق للعمالة المطلوب استقدامها مع متابعة الموجودة منها ومطابقة الأعداد مع النشاط الاقتصادي بشكل دوري ربع سنوي، وهذا يتطلب نظاما الكترونيا تفاعليا بين الوزارة والمقيمين والمواطنين.
وبالعودة للمدن الإسكانية، لابد من طرح عدة أسئلة حول استعدادات جهات التخطيط في الدولة وأبرزها الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط وكذلك إدارات التخطيط في الوزارات المختلفة، وهل تم إعداد وتأهيل قوة بشرية محلية للعمل في المراحل اللوجيستية لأعمال البناء في المدن الجديدة؟ وهل أهلت بلدية الكويت كوادر بشرية محلية لانجاز الدورات المستندية لها؟ وهل سيستفاد من البطالة المقنعة للمواطنين في القطاع العام؟.
وهنا نشدد على تأهيل الكوادر المحلية ومن ثم استقطاب من هو مؤهل تقنيا لمواكبة عصر الأتمتة بهدف نقل الكويت نقلة نوعية متقدمة.
بجانب الفرصة الذهبية بتوفير فرص عمل للمواطن وتمكينه من المساهمة الفعالة في إدارة بلده، هنالك أيضا فرصة ذهبية أخرى متأملة من هذه المدن الجديدة وهي تخطيط وتصميم مناطق حضرية متطورة تحقق رفاهية الإنسان الساكن فيها، وذلك من خلال توفير مواصلات متطورة جماعية تقلل التلوث وتوفر الوقت والطاقة وتحد من الحوادث المرورية، وتوفير كل عوامل أنسنة المدن كالمسارات الآمنة للدراجين والمشاة من كبار السن والأطفال والمعاقين والرياضيين، بالإضافة إلى توفير المساحات الخضراء والتشجير لتلطيف الجو وصد الغبار وتقليل معدلات التلوث وزيادة الأكسجين وتكوين مشاهد جميلة تسر الناظرين وأيضا زرع أشجار للتظليل على المشاة، وغيرها الكثير.
كما أن هناك فرصة أيضا لتعزيز قطاع التعاونيات لهذه المدن الاسكانية بتطوير مراكز الضاحية (النقطة المضيئة في المخطط الحضري الأول للمناطق النموذجية) وإضافة المتطلبات العصرية الحديثة، كتحديد منطقة كبيرة يكون مركزها الجمعيات التعاونية تكون خالية من السيارات وتحتوي على (مستوصف - مسرح - مخفر- بنوك - مجمع للمشروعات الصغيرة) وتوفر وصولا سهلا وآمنا للمرافق لكل سكانها وممرات مظللة أو مبردة للمشاة، بالإضافة إلى ملاعب للأطفال لتكون تلك المنطقة ملاذا لسكانها من وحشية السيارات، وبمثابة downtown للضواحي.
كذلك هي فرصة اقتصادية لتطبيق أنظمة بناء متطورة تحقق أقصى فائدة وأدنى تكلفة للمواد والأجهزة والصيانة واستهلاك الكهرباء وتطبيق نظام المعايير الموحدة «الكودات» في تلك المدن والتجمعات السكنية الجديدة، كما طالب بها د.جاسم الفهد صاحب مقترح إنشاء جهاز إعداد وإدارة الأنظمة الوطنية.
كذلك حركة البناء الكبيرة هذه، سيقوم بمعظمها أصحاب الطلبات السكنية من المواطنين! فهل هم مؤهلون لهذه المهمة الصعبة؟! من نظرتنا للواقع المحلي لا نظن انهم مؤهلون لها، وليس مطلوبا من كل مواطن أن يكون خبيرا في عملية بناء المنازل بكل مراحلها من تصميم معماري ثم هندسي إنشائي ثم عملية التنفيذ والإشراف مروراً بالنواحي القانونية المصاحبة لها، حيث من المتوقع حصول أخطاء وتقصير في إتمام مراحل البناء تلك، ومن ثم تكبيد المواطن تكاليف كبيرة جدا، تتمثل في تكاليف مادية وضياع الوقت ومشاكل قانونية ونزاعات، بالإضافة إلى مشاكل أسرية. ولمنع وقوع هذه المشاكل وغيرها، الحكومة مطالبة بالتحضير الجيد والدراسة الدقيقة للاحتمالات القادمة.
وهنا أشيد بتوجه المؤسسة العامة للرعاية السكنية لإطلاق حملة توعوية للمواطنين المقبلين على بناء قسائمهم بهدف توعية المواطن لبناء بيت العمر بما يتناسب مع احتياجاته ومتطلباته.
وأناشدهم تكليف المعماريين المحليين والمكاتب الهندسية بعمل تصاميم معمارية وإنشائية وديكور داخلي، جاهزة للتنفيذ وبأسعار رمزية كما فعلت الشركة الوطنية للإسكان «الذراع الاستثمارية لوزارة الاسكان السعودية» مؤخرا من خلال منصة «سكني» بتوفير تصاميم احترافية مختلفة ومدروسة بأسعار رمزية لكل راغب بالبناء حتى لغير مواطني المملكة.
كما نلفت النظر لوجود العديد من الاقتراحات التي تساعد في بناء متطور لهذه المدن الجديدة وبتكاليف منخفضة وبعيدا عن كاهل بنك الائتمان، تمت تجربتها عالميا كالمدن التعاونية، وهناك مقترح بهذا الخصوص للمعماري د.قتيبة الشاهين والمتخصص في التخطيط العمراني بعنوان «المدن التعاونية» كبديل عملي لتوفير المسكن الميسور في الكويت، اوضح فيه بالتفصيل مدى الاستفادة في الوقت والمال التي ستتحقق لو أخذنا بهذا النظام لبعض المدن الجديدة ناهيكم عن الاستفادة الأعظم وهي التقليل من وقت الانتظار للتوزيعات القادمة لمستحقي الرعاية السكنية في الكويت وعددهم يقارب 91000 أسرة.